إن أهم هدف يسعى المديرون إلى تحقيقه هو صنع البيئة المناسبة التي تجعل الموظفين يقدمون أفضل ما لديهم. إن أسلوب العصا والجزرة الذي يعتمد على التحفيز من خلال مكافأة المجدِّين ومعاقبة المقصِّرين والذي كان متَّبعاً في القرن الماضي لم يعد مجدياً في القرن الواحد والعشرين لأن هذا الأسلوب قد يحفِّز الموظفين لكنه لا يدفعهم إلى تقديم أفضل ما لديهم وفي عالم المنافسة اليوم أنت لا تحتاج إلى أشخاص يعملون بجد ونشاط وحسب بل تحتاج إلى أشخاص يقدمون أفضل ما لديهم من إبداعات ومبادرات لكي تستطيع أن تنجو في عالم المنافسة الشديدة حيث لم يعد يكفي للبقاء فيه أن تكون جيداً بل يجب أن تكون الأفضل.

ليسأل كل واحد منا نفسه: ما هي الفترات التي شعر فيها بحماس شديد للعمل الذي يقوم به؟ إنها الفترات التي كنا يشعر فيها بالحرية في الوصول إلى أهدافنا بالطريقة التي تفعِّل مواهبنا الخاصة وتبرز إمكانياتنا الفريدة. إن الكثير من الضوابط لا ينفع في العمل لأنه يحدُّ من قدرة الناس على استخدام إمكانياتهم ومواهبهم وعلى المبادرة والإبداع، كما إن عدم وجود أيَّ ضوابط يحوِّل العمل إلى فوضى لذلك كان لا بد من بديل ثالث يحمي العمل من الفوضى وفي نفس الوقت يُشعر الموظفين بالحرية في استخدام مواهبهم. هذا البديل هو عقد اتفاق يحقق المنفعة للجميع بين المدير والموظف. في أسلوب الإدارة القديم كانت المهام المطلوبة من الموظف تُحدَّد بواسطة وثيقة تسمَّى “التوصيف الوظيفي” تبيّن ما الذي يجب على الموظف أن يفعله بالضبط. هذه الوثيقة تضعف ديناميكية العمل إذ قد يستطيع الموظف القيام بمهام مفيدة للعمل وممتعة بالنسبة له وغير موجودة في التوصيف الوظيفي. إن أسلوب الإدارة الحديث يعتمد على ما يُسمَّى “اتفاق المنفعة للجميع” وهذا الاتفاق له خمس مكونات:

  1. التوقعات المشتركة: حيث يجلس المدير والموظف معاً ويتفقان على الأمور المتوقعة من الموظف ويقومان بتسجيلها وإذا حدث خلاف بين الموظف والمدير عند تحديد التوقعات المشتركة يجب عليهما أن يبحثا عن البدائل الثالثة أي عن تلك الحلول الإبداعية التي تحقق حاجات الطرفين معاً فإذا تعذر الوصول إلى تلك الحلول يتفق الطرفان على عدم الاتفاق ويمضي كلُّ منهما في حال سبيله.
  2. الموارد: حيث يبين المدير للموظف الموارد التي سيوفرها له والمساعدة التي يمكن أن يقدمها له لتحقيق التوقعات المطلوبة منه.
  3. الإرشادات: وهي المعايير والقوانين والخطوط العامة التي يجب أن يتحرك الموظف ضمنها (مثلاً، يستطيع مندوب المبيعات أن يمنح الزبائن خصومات تصل إلى 25% فقط).
  4. طريقة المحاسبة: إن كثيراً من الاتفاقات لا يتم تطبيقها لأن طرفي الاتفاق لم يتفقا على طريقةٍ لمتابعة التطبيق، لذلك يجب أن يتضمن اتفاق المنفعة للجميع تحديداً لكيفية المتابعة (عن طريق التلفون أو الاجتماعات مثلاً) وتواتر هذه المتابعة (أسبوعياً أو شهرياً أو غير ذلك).
  5. العواقب: وتتضمن العواقب الإيجابية في حال الالتزام بالاتفاق والسلبية في حال عدم الالتزام به وهنا يجب أن تكون العواقب الإيجابية ذات قيمة بالنسبة للموظف وليس للمدير.

إن اتفاق المنفعة للجميع يزيل أي سوء فهم بين الموظف والمدير لأنه يحدِّد بوضوح ما الذي يتوقعه كل واحد منهما من الآخر، كما أنه يجعل الموظف أكثر التزاماً بالعمل لأن هذا الاتفاق لم يُفرض عليه فرضاً وإنما شارك هو في صياغته. إن اتفاق المنفعة للجميع يجب أن لا يتحول إلى وثيقة ميتة ملقاة في الأدراج بل يجب أن يظلَّ وثيقة حيَّة متجددة يعود إليها الطرفان دائماً وتُعدَّل كلما دعت الحاجة إلى ذلك بحيث تتم المحافظة على القصد من هذه الوثيقة وهي تمكين الموظف وإطلاق مواهبه وإمكانياته.

وأخيراً فإن عقلية الوفرة التي ينظر صاحبها إلى الحياة على أنها نبع متدفق يكفي الجميع والتي يعتبر صاحبها نجاح الآخرين وتفوقهم هو نجاح له هي العقلية التي تساعد المدير على عقد الاتفاق الذي يحقق المنفعة للجميع مع موظفيه، أما المدير الذي يحب جمع الصلاحيات في يده والذي يخشى من نجاح موظفيه وتفوقهم ويعتبر ذلك تهديداً له فيصعب عليه أن يعقد اتفاقاً من هذا النوع، هذا المدير لن يحصل من موظفيه على أفضل ما لديهم بل سيقدمون له فقط ما يكفل حصولهم على الراتب في آخر الشهر!

ياسر العيتي

Leave a reply

منظمة غير ربحية لتطوير المجتمع وبناء القدرات مسجلة في تركيا، مع مقرها الرئيسي في اسطنبول، تأسست في عام 2014 وأعلنت رسميًا في 22 يناير 2015 برقم التسجيل 1120.

تواصل معنا<span data-metadata="">