الدكتور مازن هاشم
6-10 – 2019
التنمّر يعكس حالة احتقان اجتماعي ويحتاج إلى معالجات من مداخل عدة
وبداية ينبغي التفريق بين الإهمال والتصيّد ضد الطالب الأجنبي من جهة الأساتذة، وبين التنمّر من جهة التلامذة
:أولاً، تنمّر التلامذة
بخصوص التنمّر الذي يأتي من التلاميذ ينبغي أولاً توجيه الأنظار إلى أصل وجود المشكلة. وتذكّر أن كل ثقافةٍ تحتفي بأحسن ما عندها ولا تلتفت إلى المثالب وتظن أنها غير موجودة أو نادرة جداً. لسان حال الثقافة التركية يقول أبداً، غير معقول، نحن لا نربي أولادنا على هذا والاحترام هي من القيم التي نؤكد عليها
1- لفت نظر السلك التدريسي والإدارة: يعني قد يكون المعلّمين والمعلّمات غير منتبهين إلى أن هذه المشكلة موجودة أصلاً
2- تنبيه إدارة المدرسة: الإدارة مشغولة بألف قضية ولا تحبّ أن يضاف على واجباتها قضية إضافية. ولكن قد تستجيب الإدارة من باب أنه إذا لم تهتمّ بهذه القضية فسوف تتفاقم وتنفجر في وجههم مشاكل أكبر
السؤال كيف نلفت النظر و ننبّه. بديهة نحتاج من يتقن التركية، ولكن حتى لو توافر مَن يُتقن التركية من السوريين ينبغي أن نستصحب أصدقاء ومتعاطفين تُرك ليكونوا معنا، والحالة المثالية أن يتمّ استصحاب بعض الأهالي من المدرسة نفسها
وانتبه إلى أنني استعملت كلمتين خفيفتين “لفت نظر” و “تنبيه”، ولم أستعمل شكوى. وذلك لأن نبرة خطابنا ينبغي أن لا تكون نبرة تخوين. بل النبرة المطلوبة هو أننا نحن الأهالي ليس عندنا شك في أنكم لا ترضون ذلك أبداً، ونحن واثقون بحرصكم على المهنيّة العالية، وكلنا نتمنّى أن يصبح التعليم التركي نبراساً عالمياً
لا تحوّل المسألة إلى شكوى عامة عن كل مشاكل السوريين في تركيا، من الإقامة إلى أذون العمل
دعهم هم يقترحون الحلول، وإذا كان بذهنك شيء اقترحه اقتراحاً أو حاول إدراجه تحت ما يقولون هم وكأنه أتى من عندهم
من الطرق الشائعة
– عرض فيديوهات للصف أو لكل للمدرسة. فمثلاً في عرض الفيديوهات، يظهر كم تشابه مدنُ سورية مدنَ تركيا (باستثناء إستانبول)، وكم هناك تشابه بين البلدات الصغيرة، والأهم من ذلك كم هناك تشابه في سلوكنا وعاداتنا
– معرض صور عن الحياة الاعتيادية من الأسواق إلى المحلات التجارية إلى المطاعم إلى بياع العرق سوس والجانِرك إلى أماكن بيع البوظة… وصور مساجد القديمة منها والمعمار الجديد الإبداعي في بعضها
* المهم في ذلك عرض وجوه بشر من لحم وعظم وصور عن جمال الطبيعة. إن مجرّد الانتقال من فكرة سورية كاسم مجرّد وكمصدر للقلاقل والعنف… إلى سورية كشيء حيّ يُطبّع الشعور نحو السوريين ويستثير مشاعر أننا كلنا بشر
– عرض صور عن الدمار وكيف كان وكيف صار
* هذا المدخل دقيق وربما لا يناسب التلامذة. ولعله انفراده بنفسه لا يُنصح به، فالأولى أن يتمّ عرض صور جميلة، ثم يمكن أن تضاف بعض صورة الدمار. وأقوى وقعٍ يحدث إذا تكلّم العارضُ عن تجرته الشخصية: هذا بيتنا/بلدتنا كما كانت وهذا ما صارت إليه
– مشاركة في ذكريات: تقوم مجموعة من الطلاب السوريين بذكر كيف هاجر من بلده والأسباب والصعوبات التي واجهوها
* هناك محذور أن يكون هناك وقع قاسٍ على الطلاب السوريين أنفسهم. ولكن بشكل عام الحديث عن المآسي وكيف تمّ تجاوزها فيه فائدة
– لعل أنجع الطرق أن يقوم طلاب سوريين و تُرك معاً في مسرحية أو سكيتش يحاكون فيه أحداثاً ما
في كل ما سبق، ينبغي تجنّب المبالغة. وإن اختيار الحوادث الأليمة جداً جداً قد يُنتج رد فعلٍ معاكس حيث يُغلق المتلقّي مسامعه بسبب ثقل ما يسمعه ووقعه الشديد على القلب
في كل ما سبق، لا تتفلسف كثيراً، وكفى بالصور والمشاهد والكلمات مما استثارته من عواطف
ثانياً، تحيّز المدرسّين
هذه حالة أصعب من الأولى، وهي ترسل رسائل غير واعية للطلاب، فتصبح المشكلة مركّبة
حالة حادثة متطرّفة فيها إيذاء بدني وعدوان شرس
– توثيق ما حصل بقدر، فمثلاً يمكن أن يؤخذ الولد بعد الحادث مباشرة إلى المستشفى لكتابة تقرير، ثم تسجليه عند الشرطة
– يتمّ التواصل مع الإدارة للشكاية، ونرمي الكرة في ملعبهم: ها هي حادثة لا يمكن أن تقبل بحال، فماذا تقترحون أيها المدير
– من المفيد أن يأتي مع أهل الولد صديق تركي
– الأولى أن يتمّ استنفار مجموعة من الأهالي التُرك المهتمين، وأن ذلك خطر على كل المدرسة وعلى أبنائهم أيضاً
– بحسب الحالة، من المفيد أن يكون هناك محامٍ تركي. ولكن يجري التأكيد بأن المطلوب الأول هو إصلاح الأمر وليس الانتقام من الأستاذ وأننا لا نريد أن تصل الأمور إلى المحاكم. يعني جلب المحامي للضغط على المدير إذا لم يكترث بالمسألة ولكي يعتبر أن المسألة ذات أهمية قصوى. وحتى إذا وصلت المحكمة وأدانت الأستاذ، تقتضي الحكمة الصفح إذا اعتقدنا أن الأستاذ ليس شريراً ولن يعود إلى سلوكه الشائن
حالة تحيّز مستمر وإهمال
– قد يجري إشراك الإدارة بشكل كامل، وقد يكون هناك إعلام عام للإدارة من باب عدم تجاوزها وأنه سيجرى التفاهم مع الأستاذ في مناخ مهني
في حالة إشراك الإدارة كاملاً يجري التنبيه إلى سلوك المدرّس إضافةً للاستدراك أنه بديهياً أنتم لا ترضون بذلك وأن الأستاذ قد لا يكون شاعراً بما يفعل. يعني ينبغي أن يكون المدخل مدخلاً غير مثقلٍ بأثقال الشكوى. ويتمّ التأكيد أن المطلوب هو حلّ الإشكال ورفع السوية الدراسية للمدرسة وليس الانتقام من الأستاذ
– تشخيص الحالة وأنها نمط سلوك مستمر وليس عارضاً، ولولا ذلك لما فتحنا الموضوع
– نركّز على المسائل الكبيرة
– نراوح بين التصريح والتلميح، ونختم جملنا بأنه من المؤكد أن ما حصل كان في ساعةٍ عصيبة وإرهاق وأنها ليس من خلق الأستاذ
نسأل فيما إذا كان هناك تصرّف معين من الطالب يستثير الأستاذ ولا ينتبه إليه الطالب
– نعرض خدماتنا كأهل… كيف نمكن أن نساعدك أيها الأستاذ القدير. نحن نقدّر مهنتكم والضغوط التي عليكم
* النقاط أعلاه تنطبق سواءً أشركنا الإدارة أو لم نشركها، وعدم إشراكها يُسهّل الأمور
إذا لم تشترك الإدارة شراكة واسعة، تنفتح الفرصة لتوسيع مداخل المعالجة، ومنها
– نحاول أن نجلب عدد من الأصدقاء التُرك، والذين يمكن أن يكلّموا الأستاذ بشكل غير مباشر
– نحاول جلب صديقٍ تركي له مصالح مع الجالية
– قد يكون لإمام المسجد أو خطيبه أو مفتي المنطقة دوراً إيجابياً
في كل ما سبق، إشراك الأمهات أمر مطلوب وإيجابي
ثالثاً: مسألة التنمّر و التحيّز مسألة أكبر من المدرسة وتتعلّق بسلوك الجالية السورية بشكل عام وتتعلّق بسلوك مؤسسات المجتمع التركي. ولن نفصّل هنا لأنه موضوع طويل، وملخّصه هو
1- كثافة نشاطنا الاجتماعي وضرورة التواصل والصداقات مع المجتمع التركي
2- أهمية خطاب الإعلام
3- اتخاذ الحكومة سياسات وتدابير مبصرة وواقعية
4- حسن سلوكنا نحن السوريين
5- طرح الأمور لا على سبيل انفصامي سوريون و تُرك، وإنما على أن مصيرنا مشترك
وأخيراً، نذكّر ثانية بأن المدخل القانوني في دول الحداثة الديمقراطية مدخل يضرّ أكثر ما ينفع، ويحصر الجالية في زاوية، ويُحرّض ردود فعلٍ هي أقوى وأدوم. الحكمة والتجربة معاً تؤكدان أن نقصر الالتجاء إلى المحاكم ورفع الدعاوى على قليلٍ من الأمور المتفاقمة